تشكل مدينة فاس القطب الحضاري الأول للجهة والثالث وطنيا بعد كل من الدار البيضاء والرباط-سلا، بساكنة تزيد عن 1.100.000 نسمة.وقد عرفت نموا حضاريا امتد لعدة قرون ولا يمكن فصل العوامل والآليات، التي تحكمت في مراحله الرئيسة، عن السياقات الداخلية لمدينة فاس وباقي المملكة حيث لا يزال النسيج الحضري لمدينة فاس وانتشارها الترابي يحملان بصمات الاضطرابات التاريخية والتحولات الاجتماعية والاقتصادية الإقليمية والوطنية.
يعود تاريخ النواة الأولى لمدينة فاس إلى القرن الثامن (سنة 789) عندما اختار إدريس الأول الضفة اليسرى من وادي فاس، أحد روافد نهر سبو الصغيرة، مكانا لتأسيس عاصمة دولته. بعد ذلك، قام ابنه وخليفته إدريس الثاني بتوسيعها لتشمل الضفة اليمنى، ترسيخا لاختيار والده.
كان هذا الموقع اختيارا استراتيجيا لتمتعه بوفرة الموارد المائية، وتوافر مواد البناء، وموقعه الجغرافي المتميز في محور الاتصالات بين شمال المغرب وجنوبه وبين شرقه وغربه. فالموقع متصل بساحل البحر الأبيض المتوسط وساحل المحيط الأطلسي عبر أنهار مكس وسبو واللبن، وبوسط المغرب عبر ممر تازة، وبتافيلالت من خلال ممر العنصور وطريق بولمان.
وبمجيء المرينيين، تم تمديد المدينة بإنشاء فاس الجديد بالجنوب الغربي لفاس القديم أو البالي، حيث بنوا مركزا إداريا وقصرا سلطانيا وفضاءات تجارية ومساكنا محاطة بأسوار وتحصينات…
استمرت الحياة داخل أسوار مدينة فاس حتى غاية إقامة نظام الحماية الفرنسية بالمغرب الذي دشن مرحلة جديدة في التاريخ الحضري للمدينة. فانطلاقا من هذه الفترة، ستظهر امتدادات خارج المدينة العتيقة من خلال بناء أحياء جديدة بمنطقة صناعية وقاعدة عسكرية على هضبة ظهر المهراز، ومحطة للسكك الحديدية على الهضبة الجنوبية. وقد أسفرت سياسة الحماية القائمة على الفصل بين السكان الأوروبيين والسكان المحليين، عن إنشاء أحياء حضرية منفصلة: “المدينة الحديثة أو المدينة الاستعمارية” و”المدينة القديمة أو العتيقة”.
وبداية من منتصف القرن العشرين، ستشهد المدينة مرحلة تطور أخرى بإحداث أحياء جديدة في الشمال. يتعلق الأمر بحي عين قادوس وحي بندباب الدين شكلا ثمرة السياسة الحضرية الجديدة “السكن لأكبر عدد” والتي أدت إلى خلق المدينة المغربية الجديدة.
وبعد الاستقلال، فتحت صفحة أخرى في التاريخ الحضري لمدينة فاس تميزت بمد كبير للهجرة وتعمير سريع، فقد تضاعف المحيط الحضري أربع مرات خلال نصف قرن فقط (من 1960 إلى 2010).
ارتبط التطور الحضاري لمدينة فاس، تاريخيا، بتطور مدينة مكناس. فهما مدينتان مختلفتان إلى حد التنافس، تفصل بينهما 50 كيلومترا، وتتقاسمان مهام المركز الاقتصادي بوسط المغرب وليس في سايس فقط ومع ذلك، فإنهما متقاربتان من حيث ظروف تأسيسهما، كموقعين متميزيين، وثرواتهما الخاصة التي ارتبطت، بعد ذلك بتنمية وظائفهما التجارية والسياسية والفلاحية، ومن حيث موقعهما الجغرافي في مفترق طرق حيوي.